حرب صهيونية ضد المساجد في فلسطين
حريق المسجد الأقصى
شب في الجناح الشرقي للمسجد الأقصى حريق ضخم في 21 أغسطس 1969، أتت النيران على كامل محتويات الجناح بما في ذلك منبره التاريخي المعروف بمنبر صلاح الدين، كما هدد الحريق قبة المسجد الأثرية المصنوعة من الفضة الخالصة الامعة
أحدثت هذه الجريمة المدبرة من قبل مايكل دينس روهن دوياً في العالم وفجرت ثورة غاضبة خاصة في أرجاء العالم الإسلامي، في اليوم التالي للحريق أدى آلاف المسلمين صلاة الجمعة في الساحة الخارجية للمسجد الأقصى وعمت المظاهرات القدس بعد ذلك احتجاجاً على الحريق، وكان من تداعيات الحريق عقد أول مؤتمر قمة إسلامي في الرباط بالمغرب.
في يوم 8 جمادى الآخرة 1389هـ - 21 أغسطس 1969م أقدم نصراني متصهين أسترالي الجنسية اسمه «دنيس مايكل» جاء فلسطين باسم السياحة، أقدم على إشعال النار في المسجد الأقصى، والتهم الحريق أجزاءً مهمة منه، ولم يأت على جميعه، ولكن احترق منبر نور الدين محمود الذي صنعه ليضعه بالمسجد بعد تحريره ولكنه مات قبل ذلك ووضعه صلاح الدين الأيوبي، والذي كان يعتبر رمزاً للفتح والتحرير والنصر على الصليبيين، واستطاع الفلسطينيون إنقاذ بقية المسجد من أن تأكله النار، وقد ألقت إسرائيل القبض على الجاني، وادعت أنه مجنون، وتم ترحيله إلى أستراليا؛ وما زال يعيش حتى الآن في أستراليا وليس عليه أي أثر للجنون أو غيره.
كان لهذا العمل الذي هو أقل شراً من سفك دماء عشرات الآلاف من الفلسطينيين ردة فعل كبيرة في العالم الإسلامي, وقامت المظاهرات في كل مكان, وكالعادة شجب القادة العرب هذه الفعلة, ولكن كان من تداعيات هذه الجريمة إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي والتي تضم في عضويتها جميع الدول الإسلامية، وكان الملك فيصل بن عبد العزيز - - هو صاحب فكرة الإنشاء
وفي النافذة العلوية الواقعة في الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى، وترتفع عن أرضية المسجد حوالي عشرة أمتار، ويصعب الوصول إليها من الداخل بدون استعمال سلَّم عالٍ، الأمر الذي لم يكن متوفرًا لدى "دنيس روهان"، وكان حريق هذه النافذة من الخارج وليس من الداخل.
قامت سلطات الاحتلال الصهيوني بقطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد في نفس يوم الحريق، وتعمَّدت سيارات الإطفاء التابعة لبلدية القدس- التي يسيطر عليها الاحتلال - التأخير؛ حتى لا تشارك في إطفاء الحريق، بل جاءت سيارات الإطفاء العربية من الخليل ورام الله قبلها وساهمت في إطفاء الحريق.
[عدل]الأجزاء المتضررة من الحريق
أما أهم الأجزاء التي طالها الحريق داخل مبنى المسجد الأقصى المبارك فهي:
منبر "صلاح الدين الأيوبي" الذي يعتبر قطعةً نادرةً مصنوعةً من قطع خشبية، معشَّق بعضها مع بعض دون استعمال مسامير أو براغي أو أية مادة لاصقة، وهو المنبر الذي صنعه "نور الدين زنكي"، وحفظه على أمل أن يضعه في المسجد إذا حرَّره فلما مات قبل تحريره قام "صلاح الدين الأيوبي" بنقله ووضعه في مكانه الحالي بعد تحرير المسجد من دنس الصليبيين.
مسجد "عمر" الذي كان سقفه من الطين والجسور الخشبية.
محراب "زكريا" المجاور لمسجد "عمر".
مقام الأربعين المجاور لمحراب "زكريا".
ثلاثة أروقة من أصل سبعة أروقة ممتدة من الجنوب إلى الشمال مع الأعمدة والأقواس والزخرفة وجزء من السقف الذي سقط على الأرض خلال الحريق.
عمودان رئيسان مع القوس الحجري الكبير بينهما تحت قبة المسجد.
القبة الخشبية الداخلية وزخرفتها الجبصية الملونة والمذهبة مع جميع الكتابات والنقوش النباتية والهندسية عليها.
المحراب الرخامي الملون.
الجدار الجنوبي وجميع التصفيح الرخامي الملون عليها.
ثمان وأربعون نافذة مصنوعة من الخشب والجبص والزجاج الملون والفريدة بصناعتها وأسلوب الحفر المائل على الجبص لمنع دخول الأشعة المباشر إلى داخل المسجد.
جميع السجّاد العجمي.
مطلع سورة الإسراء المصنوع من الفسيفساء المذهبة فوق المحراب، ويمتد بطول ثلاثة وعشرين مترًا إلى الجهة الشرقية.
الجسور الخشبية المزخرفة الحاملة للقناديل والممتدة بين تيجان الأعمدة.
إحراق مسجد النور
لم تكن عملية إحراق مسجد النور في قرية برقة في محافظة رام الله والبيرة على يد مجموعة إرهابية من المستوطنين اليهود فجر يوم الخميس 15 ديسمبر/كانون الأول 2011 سوى حلقة في إطار سلسلة متكاملة وممنهجة من الاعتداءات على المساجد في فلسطين بغية تهويدها في نهاية المطاف.
لقد سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى تزوير وتهويد المعالم العربية والإسلامية وفي المقدمة منها المساجد؛ ويلحظ المتابع للسياسات الصهيونية والإسرائيلية تجاه المساجد في فلسطين بأنها كانت محكمة ومدروسة، وتم التخطيط لها في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل السويسرية في نهاية شهر أغسطس/آب من عام 1897.
ومحاولة منها لتهويد المساجد في فلسطين؛ عملت المؤسسة الصهيونية بداية جاهدة من أجل السيطرة على أراضي الوقف الإسلامي؛ ففي عام 1948 بلغت مساحة أراضي الوقف الخيري الإسلامي في فلسطين 178 ألفا و677 دونماً.
وقامت السلطات الإسرائيلية بوضع خطط بعد العام المذكور لمصادرة وتهويد تلك الأراضي والممتلكات والمواقع، وقد تم ذلك بالفعل عبر اتباع سياسات محددة يمكن إجمالها بما يلي: حلت إسرائيل المجلس الإسلامي الأعلى ولجنة الأوقاف الإسلامية؛ كما أصدرت قوانين جائرة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، ومن بينها ما يسمى قانون أملاك الغائبين، وسيطرت السلطات الإسرائيلية من خلاله على ممتلكات الأوقاف.
إضافة إلى ذلك تم إنشاء سلطة التطوير الإسرائيلية التي وضعت يدها على الأوقاف الإسلامية، من خلال شراء تلك الأوقاف من حارس أملاك الغائبين، الأمر الذي جعل القسم الأكبر من الأوقاف الإسلامية تحت سيطرة سلطة التطوير.
ومع استمرار عمليات إحراق المساجد في داخل الخط الأخضر وكذلك في الضفة الغربية؛ ودعم الجيش الإسرائيلي للمجموعة الإرهابية المشرفة على ذلك والمسماة "شارة الثمن"، يتأكد بكل وضوح مدى إصرار المؤسسة الصهيونية على ترسيخ فكرة يهودية الدولة عبر تهويد المساجد.
حال المساجد داخل مناطق 48
كانت السياسات الإسرائيلية السابقة بمثابة مقدمات لتدمير وتهويد المساجد في داخل الخط الأخضر؛ وقد عزز التوجه الصهيوني القانون الصهيوني الصادر في عام 1953، والذي بموجبه تم تبرير المبيعات من قبل حرس أملاك الغائبين إلى سلطة التطوير، وذلك بغية تقنين المصادرة للأملاك والأوقاف الإسلامية.
وخلال فترة وجيزة استطاعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية -بين الأعوام من 1948 إلى 1967- هدم وتدمير 130 مسجداً في المناطق التي أنشئت عليها إسرائيل، وتمثل تلك المساجد نحو 41.5% من إجمالي عدد المساجد داخل الأخضر، التي وصل عددها إلى 313 مسجداً، إضافة إلى ذلك بات نحو8400 معلم عربي إسلامي في مواجهة سياسة التزوير والهدم الإسرائيلية.
ومن الإجراءات التي اتبعتها السلطات الإسرائيلية لتهويد المقدسات الإسلامية وفي المقدمة منها المساجد، القيام بحملة واسعة النطاق طالت عددا كبيرا من المساجد والمقابر الإسلامية في داخل الخط الأخضر، وتمّ تحويل مسجد بئر السبع إلى متحف للآثار، وكذلك هي الحال بالنسبة لمسجد صفد في الجليل الفلسطيني. وحولت السلطات الإسرائيلية مسجد قرية قيسارية في قضاء حيفا على الساحل الفلسطيني إلى خمارة للشباب اليهود، في حين تمّ تحويل مسجد ظاهر العمر في مدينة طبريا في الجليل إلى مطعم، أما مسجد عين حوض -الذي لا يبعد أهل القرية عنه سوى أمتار قليلة- فبات مرقصاً ليلياً لليهود.
وفي مدينة حيفا حوّل الجيش الإسرائيلي مقبرة الاستقلال هناك إلى حي سكني لليهود. وثمة محاولات حثيثة من قبل المؤسسة الإسرائيلية منذ السبعينيات من القرن المنصرم لهدم مقبرة قرية بلد الشيخ في جنوب شرق مدينة حيفا على سفح جبل الكرمل، حيث يوجد ضريح الشهيد المجاهد الكبير عز الدين القسام ـ رحمه الله ـ، الذي استشهد في أحراج يعبد قضاء جنين في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1935، وهو المجاهد الذي أسس لثورة فلسطين الكبرى عام 1936.
ولم تتوقف السلطات الإسرائيلية عند هذا الحد، بل قامت بجرف العديد من المقابر الإسلامية في عكا ويافا والأقضية محاولة تهويد المنطقة. إضافة إلى سياسة هدم المقابر والمساجد وجرفها، قام الجيش الإسرائيلي -تحت حجج أمنية وغيرها- بتحويل المساجد المقامة التي لم يستطع هدمها داخل الخط الأخضر إلى معابد لليهود. وتشير الدراسات المتخصصة إلى أن الجيش الإسرائيلي حوّل 14 مسجداً إلى معابد يهودية، ومنع المسلمين من الصلاة في 19 مسجدا، لتحول فيما بعد -على يد الجيش الإسرائيلي- إلى مرتع للقمار أو مطعم أو حظيرة خنازير أو خراف، مثل مسجد البصة ومسجد عين الزيتون في قضاء مدينة صفد، وهناك 50 مسجداً ومقامًا إما مغلقا أو مهملا أو مهددا بالهدم والإزالة من الوجود.
وبشكل عام لا تتعدى المساجد المذكورة 10% من إجمالي مساجد فلسطين التي هدمت منذ إنشاء إسرائيل قبل أكثر من ثلاثة وستين عاماً (1948-2011).
محاولات تهويد المساجد في الضفة
ارتفعت وتيرة الاعتداءات على المساجد في الضفة الغربية منذ بداية عام 2010، وازدادت شدة في العام الحالي 2011، حيث تم الاعتداء وإحراق وتدمير عشرات المساجد في المدن والقرى في الضفة الغربية، وكان آخرها إحراق الطابق الأول والثاني من مسجد النور في قرية برقة في قضاء محافظة رام الله والبيرة فجر يوم الخميس 15 ديسمبر/كانون الأول 2011؛ وقبله بيوم واحد فقط إحراق مسجد عكاشة في مدينة القدس.
والثابت أن عمليات تهويد المساجد لم تنحصر في داخل الخط الأخضر؛ بل تعدت ذلك باتجاه الضفة الغربية، فبعد احتلالها الضفة وقطاع غزة في عام 1967، لم تتوقف إسرائيل عن سياساتها لجهة هدم وتهويد الأماكن المقدسة عند العرب المسلمين وكذلك المقدسات بعينها، فخلال أكثر من أربعة عقود من الاحتلال حصلت اعتداءات متكررة على المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وكان من أبرز الاعتداءات محاولة إحراق الأقصى في عام 1969، ومجزرة الحرم الإبراهيمي في عام 1993.
سبل حماية المساجد
بعد هذا العرض للسياسات الإسرائيلية تجاه المقدسات الإسلامية في فلسطين -وفي المقدمة منها المساجد- والتي أدت إلى تدمير العشرات منها، فضلاً عن تغيير أسماء المواقع المقدسة الأخرى، وكذلك محاولات السلطات الإسرائيلية تهويد ما تبقى منها، تحتم الضرورة الإسراع في حماية المقدسات الإسلامية في فلسطين وفي المقدمة منها المساجد، سواء داخل الخط الأخضر أو في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس ومعالمها التاريخية المقدسة؛ ومدينة الخليل أيضاً.
وقد يكون من باب أولى توحيد الخطاب العربي والإسلامي إزاء خطر السياسات الإسرائيلية التي تهدد المساجد في فلسطين التاريخية، فضلاً عن مطالبة المنظمات الدولية ذات الصلة بالحفاظ على دور العبادة والمقدسات بالضغط على "إسرائيل" وانصياعها للقرارات الدولية والأعراف الخاصة بالمقدسات والأوابد التاريخية.
وفي هذا السياق يجب الإشارة إلى أن المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين يطلق عليها اصطلاحاً إما آثار أو أماكن عبادة، تحظى بعناية وحماية قانونية فائقة تضمنها اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949 وكذلك اتفاقيات لاهاي لسنة 1906.
وتبقى الإشارة إلى أن عملية إحراق المساجد وتدميرها في فلسطين من قبل المستوطنين اليهود وبدعم مباشر من المؤسسة الإسرائيلية تعتبر -بكل المعاني- استخفافاً وإهانةً لكافة المسلمين في العالم؛ ناهيك عن كون تلك الأفعال الصهيونية بحق المساجد تخالف الأعراف والمواثيق الدولية الخاصة بحماية الرموز الدينية للمناطق الواقعة تحت الاحتلال؛ وهذا بطبيعة الحال ينطبق على الأراضي الفلسطينية والمساجد والمقدسات الأخرى أيضاً.
صور حريق الأقصى